الاثنين، 24 يناير 2011

في حب رســول الله


مشاعر متباينة تلك التي تنتابك وأنت على مشارف مدينة رسول الله .. ما بين الاشتياق والرهبة تذوب روحك في هذا النور الذي يخرج من قلب تلك البقعة متخطياً كل الحواجز في سبيل الوصول إلى ثنايا روحك .. نورٌ إلهي يبعث البهجة في قلبك .. يأخذك إلى عالم آخر ..عالم تنتفي فيه جميع الصفات البشرية .. عالم روحاني يصنعه لك هذا النور .. يأخذك إلى حيث لا زمان .. يعود بك إلى عصور كم تمنيت أن تعيش فيها بالقرب من الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.

ينتابك القلق والتوتر كلما اقتربت من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم .. تبدأ بلهفة في سؤال كل من حولك .. أهنا حقاً يرقد رسول الله ؟ .. تشعر بنفسك وكأنك غير مصدقاً لما يدور .. أأنت حقاً على مقربة من المحبوب ؟ .. أأنت فعلا على بعد خطوات ممن بعثه الله رحمة لعباده ؟ .. فيجيبك الجميع بالتأكيد على ذلك .. ولكنك لا تسمع شيئاً سوى صوت روحك يأتي من أعماق أعماقك يدفعك إلى جوار الحبيب .. لا ترى إلا النور الذي يأتيك من داخل مسجد الرسول ليحمل روحك إلى هناك .. تسمع صوتاً يناديك من بعيد .. أيا هذا .. أما اشتقت إليّ ؟ .. أما أخذك الحنين لرؤيتي ؟ .. إن كنت لم تشتاق إليّ فأنا قد اشتقت إليك .. فتعالى لتنهل من روضتي رحيقاً طيباً يشهد لك يوم الحساب.

يا إلهي ! .. ما هذا الصوت النقي ؟ .. أهو حقاً رسول الله ؟

وما أن يأتيك هذا الصوت إلا وتجد نفسك تركض بكل قوتك إلى داخل مسجده الشريف وأنت تتلفت في لهفة باحثاً عن قبره .. سائلاً كل من تراه عيناك .. أين رسول الله ؟ .. أين حبيبي ؟ .. فتجيبك جموع الناس أنه هناك .. وكأنهم يهوّنون عليك لهفتك .. فترد لهم جوابهم قائلاً .. إنه يناديني .. فقد اشتاق إليّ .. وقد ذابت روحي من الاشتياق لرؤياه.

تركض مسرعاً إلى آخر حدود المسجد .. وكأنك تخلع عن روحك كل الصفات البشرية في كل خطوة تخطوها قدماك إلى حيث يوجد الحبيب صلى الله عليه وسلم .. وما أن تصل إليه فتجد نفسك قد عدت روحاً نقية كيوم ولدتك أمك .. وكأنك ولدت على أيدي المصطفى من جديد.

تستمر في التقدم حتى تقع عيناك على روضة النبي الشريفة .. نورٌ يكاد يُذهب عقلك .. وما أن ترى قبره صلى الله عليه وسلم .. إلا وتتسمر قدماك في مكانك للحظة .. لحظة يتوقف فيها الزمن .. لحظة تخرج فيها روحك لتذهب إلى قبر الحبيب لتلتصق به .. لحظة تشم فيها رائحة الجنة .. لحظة يدور فيها في مخيلتك كل هذا الذي قرأته وسمعته عن رسول الله طوال حياتك .. لحظة تسلّم فيها نفسك إلى هذا الشعور الجارف بالاشتياق لرؤية النبي .. لحظة لا تساويها أي لحظة في حياتك .. لحظة تختلي فيها فقط بالحبيب محمد.

تبدأ بعدها في المشي الحثيث إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم .. تتقدم ببطء بعد أن فقدت أي شعور دنيوي .. روحك تسبقك إلى هناك .. وما أن تقع عيناك على هذه الفتحة الضيقة المطلة على قبر أشرف الخلق إلا وتجد نفسك تتمتم بعبارات غير مفهومة وكأن لسانك تلجّم .. وكأن عقلك سُلِبَ منك من هيبة الموقف .. وتجد روحك قد فتحت لدموعك سبيلاً حتى تجري منهمرة تحت أقدام رسول الله .. وكأن هذه الفتحة الضيقة تأخذك إلى عالم واسع رحب .. ليس له صلة بالواقع .. لا يستطيع عقل بشري على استيعاب معانيه .. ولا تستطيع عين إنسان أن ترى نهايته .. عالمٌ روحاني بغير نهاية .. عالم يملأه النور في جميع جنباته .. عالم ينسيك واقعك الدنيوي الرخيص ويأخذك منه إلى الدار الآخرة حيث الحق والحقيقة .. عالم تشعر فيه بحبيبك رسول الله يأخذك من يدك ويذهب بك إلى حيث اللامكان .. تشعر وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يمد يده الشريفة ليشق صدرك برقة فتأخذ يده طريقها إلى ثنايا قلبك .. فيأخذه ليغسله من كل تلك الذنوب والهموم والنواقص التي تملأه .. تشعر بيده الشريفة وهي تحمل قلبك برفق .. تشعر به يبتسم في وجهك وهو يعيد قلبك إلى مكانه دون أن تشعر .. وكأنك تتمنى ألا يتركه .. تتمنى أن يستمر قلبك في يديه الشريفتين فيما تبقـّى من حياتك .. بل تتمنى أن تظل روحك بجواره فيما تبقـّى لك من عمرك.

يا حبيبي يا رسول الله .. يا سيدي يا محمد .. كم كنت أشتاق إليك .. كم تمنيت رؤيتك .. كم تمنيت العيش تحت أقدامك الطاهرة .. كم تمنيت التحدث إليك .. كم تمنيت النظر إلى وجهك الكريم .. كم تمنيت الجهاد معك في سبيل الله .. كم تمنيت العيش بين يديك أرشف من بحور صدقك وأنهار محبتك .. كم تمنيت أن تداوي جراحي من هذا الزمن الغريب الذي أعيشه .. كم تمنيت أن أبكي بين يديك لتغسل الدموع روحي من آثامي وعثراتي .. كم تمنيت أن أخدمك في حياتك الكريمة .. كم تمنيت أن أعيش بالقرب منك يا سيدي يا محمد.

لا أجد وصف لهذا الشعور الجارف بالحنين الذي ازداد إليك .. لا أجد وصف لدموعي التي انهمرت وأنا أغادر مدينتك المنورة مودعاً لك .. لا أجد وصف لاشتياق روحي إلى تكرار هذه الرحلة التي لا مثيل لها .. لا أجد وصف لهذا الانشطار الذي حدث في نفسي منذ أن تركت قلبي عندك يا حبيبي وأعيش الآن بعقلي فقط .. لا أجد وصف لهذا الإلحاح الذي أشعر به يمزق روحي ويدفعني إلى الذهاب إليك مرات ومرات.

حقاً .. لا أجد كلمات ترضي عقلي في وصف حبي لك يا نبي الرحمة .. ولا أجد عبارات لوصفك يا حبيبي يا رسول الله

0 التعليقات:

إرسال تعليق

اخر مواضيع الموقع

حياتي من كتاب ذكرياتي